فصل: (فرع: ما يجهر به من الصلوات للرجل والمرأة وتلقين الإمام)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: تفسير القراءة بغير العربية]

ولا يقوم تفسير القراءة، ولا العبارة عنها بالفارسية مقامها، ولا يجزئ في الصلاة. وبه قال مالك، وعامة الفقهاء.
وقال أبو حنيفة: (المصلي بالخيار، إن شاء.. قرأ القرآن، وإن شاء.. قرأ معنى القرآن، وتفسيره بالفارسية أو العربية، وغير ذلك، سواء كان يحسن قراءة القرآن، أو لا يحسنها).
واختلف أصحابه، إذا قرأ المصلي معنى القرآن، وتفسيره: هل يكون قد قرأ القرآن؟
فمنهم من قال: إذا قرأ معنى القرآن.. فقد قرأ القرآن. وعلى هذا يناظرون.
ومنهم من قال: لا يكون قد قرأ القرآن، وإنما يكون في الحكم: يقوم مقامه.
وقال محمد بن الحسن، وأبو يوسف: إن كان هذا المصلي يحسن القرآن.. لم يجز أن يقرأ معنى القرآن. وإن كان لا يحسن القرآن.. جاز أن يقرأ معنى القرآن،
ويعبر عن القراءة بعبارة. كما قالا في التكبير.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20].
وروى عبادة بن الصامت: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب»:

.[مسألة:فيمن لا يحسن الفاتحة أو بعضها]

وإن كان لا يحسن الفاتحة، وضاق الوقت عن التعلم، فإن كان يحسن غيرها من القرآن.. فإنه يقرأ سبع آيات من غيرها، سواء كن من سورة، أو من سور.
وهل يعتبر أن يكون بقدر حروف الفاتحة؟
منهم من يقول: فيه قولان. ومنهم من يقول: وجهان:
أحدهما: يعتبر أن يكون بقدر حروف الفاتحة، كما يعتبر عدد الآيات.
والثاني: لا يعتبر، كما لا يعتبر في قضاء الصوم عدد الساعات.
وإن كان يحسن آية من الفاتحة.. أتى بها. وهل يلزمه تكرارها، أو يقرؤها مرة، ثم يأتي بغيرها من القرآن إن كان يحسنه، أو من الذكر؟ فيه وجهان:
أحدهما: يكررها؛ لأنها أقرب إلى الفاتحة من غيرها.
والثاني: يأتي ببقية الآيات من غيرها؛ لأن هذه الآية قد سقط فرضها بقراءتها، فينبغي أن لا يعيدها، ويأتي بغيرها؛ كما إذا وجد بعض الماء.. فإنه يغتسل به، ويتيمم.
قال ابن الصباغ: وهذا الوجه يدل على صحة السنة، في الرجل الذي قال: لا أستطيع أن أحفظ شيئًا من القرآن، فأمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يأتي بالذكر، وفيه: " الحمد لله ".
ولا يتعذر عليه أن يقول: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]، ولم يأمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتكرارها.
وإن كان يحسن أقل من الفاتحة من غيرها من القرآن.. فهل يلزمه تكراره، أو يلزمه أن يأتي بتمامه من الذكر؟ على الوجهين فيمن يحسن آية من الفاتحة.
قال ابن الصباغ: وذكر الشيخ أبو حامد: أن في ذلك قولين نص عليهما في "الأم".
فإن كان يحسن النصف الأول من الفاتحة لا غير، وقلنا: " لا يلزمه تكراره.. فإنه يأتي به أولا، ثم يأتي بالبدل بعده.
وإن كان يحسن النصف الأخير منها.. فإنه يأتي بالبدل أولاً، ثم بالنصف الذي يحسنه؛ لأن الترتيب شرط في القراءة.
ولو تعلم الفاتحة في إتيانه بالبدل.. ففيه وجهان:
الصحيح: أنه يترك البدل، ويشتغل بالفاتحة.
والثاني: يمضي في البدل، ولا يشتغل بالفاتحة.
ولو تعلم الفاتحة بعد فراغه من البدل، وقبل الركوع.. فمنهم من قال: فيه وجهان، كالأولى.
ومنهم من قال: لا يلزمه قراءة الفاتحة، وجهًا واحدًا.
وإن كان لا يحسن شيئًا من الفاتحة، ولا من غيرها.. فإنه يأتي مكانها بالذكر.
وقال أبو حنيفة: (لا يلزمه، ويقوم ساكتًا).
وقال مالك: (لا يلزمه الذكر، ولا القيام).
دليلنا: ما روى رفاعة بن رافع بن مالك: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا قام أحدكم إلى الصلاة.. فليتوضأ كما أمره الله، ثم ليكبر، فإن كان معه شيء من القرآن.. قرأ به، وإن لم يكن معه شيء.. فليحمد الله، وليكبر».
وروى عبد الله بن أبي أوفى: «أن رجلاً أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إني لا أستطيع أن أحفظ شيئًا من القرآن، فعلمني ما يجزئني في الصلاة. فقال: قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله».
وهل يتعين عليه هذا الذكر؟
فيه ثلاثة أوجه:
الأول: منهم من قال: يتعين عليه هذا الذكر، ولكن يضيف إليه كلمتين أخريين؛ ليكون بقدر سبع آيات، والأولى أن يضيف إليه ما روي في بعض الأخبار: (ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن). ولا يعتبر - على هذا -: عدد الحروف.
والثاني- وهو قول أبي إسحاق -: أنه لا يتعين عليه هذا الذكر، بل يجب عليه أن يأتي من ذكر الله تعالى ما شاء، ويعتبر أن تكون حروفه بقدر حروف الفاتحة، ويسقط اعتبار الآيات؛ لأنه لا يمكن اعتبارها من الذكر.
و الثالث وهو قول أبي علي في "الإفصاح" -: إنما يجب الذكر الذي نص عليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو الخمس الكلمات، ولا تجب الزيادة عليه. وهو الصحيح؛ لأن الرجل قال: يا رسول الله، علمني ما يجزئني في الصلاة، فعلمه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا، ولم يأمره بالزيادة:
وقد روى: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما فرغ من الخمس الكلمات.. قال الرجل: هذا لله تعالى، فما لي؟ فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قل: اللهم ارحمني، وعافني، وارزقني».
وإن لم يحسن شيئًا من القرآن، ولا من الذكر.. وجب عليه أن يقوم بقدر قراءة الفاتحة، وعليه أن يتعلم.

.[مسألة:القراءة بعد الفاتحة]

ثم يقرأ بعد الفاتحة سورة، وذلك سنة.
وقال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (تجب القراءة بعد الفاتحة، وأقله ثلاث آيات).
وقال عثمان بن أبي العاص: (تجب القراءة بعد الفاتحة، وأقله ما يقع عليه الاسم).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب». فنفى الصلاة بعدمها، وأثبتها بوجودها، فدل على: أنه لا يجب غيرها.
وروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنه قال: «كل صلاة لا يقرأ الرجل فيها بفاتحة الكتاب.. فهي خداج».
و (الخداج): الناقص، فدل على: أن الصلاة التي يقرأ فيها بفاتحة الكتاب تمام.
إذا ثبت هذا: فإن المستحب عندنا - إن كان في صلاة الصبح -: أن يقرأ بـ: (طوال المفصل)؛ وهو: السبع الأخير من القرآن، مثل: (الحجرات)، و (ق)، و (الواقعة).
وقال أبو حنيفة: (يقرأ في الأولى من: ثلاثين آية، إلى ستين آية. وفي الثانية من: عشرين آية، إلى ثلاثين آية).
دليلنا: ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ فيها: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} [ق: 10]» [ق: 10] يعني: سورة ق.
وإن كان يوم جمعة.. قرأ فيها: {الم} [السجدة: 1] {تَنْزِيلُ} [السجدة: 2]، و {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ} [الإنسان: 1]؛ لما روى أبو هريرة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ ذلك فيها يوم الجمعة».
فإن قرأ فيها أوساط المفصل، أو قصاره.. جاز؛ لما روى عمرو بن حريث أنه قال: «كأني اسمع صوت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في صلاة الغداة: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} [التكوير: 15]» [التكوير: 15].
وروى أبو داود: «أن رجلاً من جهينة سمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في الصبح: {إِذَا زُلْزِلَتِ} [الزلزلة: 1]» [الزلزلة].
قال الشافعي: (ويقرأ في الظهر شبيهًا مما يقرأ في الصبح) - وحكى الكرخي مثل ذلك عن أبي حنيفة - لما روى أبو سعيد الخدري قال: «حزرنا قيام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الأوليين من الظهر قدر ثلاثين آية، قدر: {الم} [السجدة: 1] {تَنْزِيلُ} [السجدة: 2]، وحزرنا قيامه في الأخريين منها على النصف من ذلك، وحزرنا قيامه في الأوليين من العصر على قدر الأخريين من الظهر، وفي الأخريين من العصر على النصف من ذلك».
ومعنى قوله: (حزرنا) أي: قدرنا.
فإن قرأ غيرها.. جاز؛ لما روي عن جابر بن سمرة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ في الظهر، والعصر بـ: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج: 1]، و {الطَّارِقُ} [الطارق: 2] وما أشبههما، ويقرأ في العصر، والعشاء بأوساط المفصل، كسورة [الجمعة] و [المنافقين]، وما أشبههما».
وقال أبو حنيفة: (يقرأ في العصر في الأوليين في كل ركعة بعد الفاتحة عشرين آية، وكذلك في العشاء).
دليلنا: حديث أبي سعيد الخدري، وروي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ في العشاء سورة الجمعة والمنافقين».
فإن قرأ غيرهما.. جاز؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ في العشاء الآخرة بـ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1] و {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} [التين: 1]».
ويستحب أن يقرأ في المغرب بقصار المفصل؛ لما روى أبو هريرة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ فيها بقصار المفصل».
وروى: (أن ابن مسعود كان يقرأ فيها: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]).
فإن قرأ فيها غيرها.. جاز؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ فيها بـ: الأعراف».
وروى جبير بن مطعم: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ فيها: {وَالطُّورِ} [الطور: 1]».
وروت أم الفضل قالت: «خرج إلينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو عاصب رأسه في مرضه، فصلى المغرب، فقرأ بـ: {وَالْمُرْسَلاتِ} [المرسلات: 1] فما صلاها بعد، حتى لقي الله تعالى».

.[فرع: قراءة السورة للمأموم وفيما زاد على الركعتين]

والتسوية بين الأوليين ويوجز في الأخرينوهل يسن قراءة السورة للمأموم؟ ينظر فيه:
فإن كان في صلاة جهرية، تسمع فيها قراءة الإمام.. فلا يسن له؛ لما مضى في حديث عبادة.
وإن كان في صلاة سرية، أو جهرية لا يسمع فيها قراءة الإمام.. فوجهان حكاهما المسعودي [في "الإبانة" ق \ 65]. وكذا الوجهان فيمن تباعد عن الخطيب، بحيث لا يسمع الخطبة: هل الأولى له أن يقرأ القرآن، أو يسكت؟
وهل تستحب قراءة السورة فيما زاد على ركعتين؟ فيه قولان:
الأول: قال في القديم: (لا يستحب)
قال أبو إسحاق المروزي: وهو الصحيح - وبه قال مالك، وأبو حنيفة - لما روى أبو قتادة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ السورة في الأوليين دون الأخريين».
والثاني: قال في الجديد: (يستحب أن يقرأ السورة فيهما).
قال الشيخ أبو حامد: وهو الصحيح؛ لحديث أبي سعيد الخدري.
إذا ثبت هذا: فيستحب عندنا أن يسوي بين الركعات في القراءة، ولا يفضل أوله على ثانيه، وأما الأخريان: فالمستحب فيهما: الحذف والإيجاز، على القولين.
وقال أبو حنيفة، وأبو يوسف: (يستحب أن تفضل الأولى على الثانية في الفجر خاصة).
وقال الثوري، ومحمد: يستحب في جميع الصلوات أن يطيل الركعة الأولى على التي بعدها. وبه قال الماسرجسي، من أصحابنا.
دليلنا: حديث أبي سعيد الخدري: «أنه كان يقرأ في الظهر في كل ركعة ثلاثين آية».

.[فرع: قراءة المسبوق]

قال الشافعي: (وإن فات رجلاً ركعتان مع الإمام من الظهر.. قضاهما بأم القرآن وسورة). واختلف أصحابنا في صورة ذلك:
فقال أبو إسحاق: إنما قال ذلك؛ لأنه لم يقرأها في الأوليين، ولا أدرك قراءة الإمام لها، فاستحب له أن يأتي بها؛ لتحصل له فضيلتها.
وقال أبو علي في "الإفصاح": إنما قال هذا على القول الذي يقول: إنه يقرأ السورة في جميع الركعات. فأما على القول الآخر: فلا يقرأ. وإلى هذا ذهب القاضي أبو حامد.
قال ابن الصباغ: والأول أصح.
فإن كان ذلك في صلاة جهرية.. فهل يجهر المأموم، أو يسر في الأخريين؟
فيه قولان، حكاهما ابن الصباغ:
أحدهما: لا يجهر؛ لأن سنة القراءة في الأخريين الإسرار.
والثاني: يجهر؛ ليدرك ما فاته من الجهر بالقراءة.

.[فرع: ما يجهر به من الصلوات للرجل والمرأة وتلقين الإمام]

والسنة: أن يجهر الإمام، والمنفرد في: الصبح، والأوليين من المغرب، والأوليين من العشاء، ويسر فيما سوى ذلك من الصلوات الخمس؛ لأنه نقل ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نقلاً متواترًا، وهو إجماع لا خلاف فيه.
فإن فاتته في صلاة سرية، فقضاها.. أسر بها القضاء، سواء قضى في وقت الجهرية، أو في وقت السرية.
وإن فاتته صلاة جهرية، فإن قضاها في وقت الجهرية.. جهر بها. وإن قضاها في وقت السرية.. ففيه وجهان:
أحدهما: يسن له الجهر في القضاء، كما لو قضى السرية في وقت الجهرية.
والثاني: لا يسن له الجهر بها؛ لأنه يقال: صلاة النهار عجماء.
ولا تجهر المرأة في موضع فيه رجال أجانب؛ لأنه يخاف الافتتان بصوتها.
قال في "الأم": (ولا بأس بتلقين الإمام إذا أحصر)؛ لما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه قال: (إذا استطعمكم الإمام.. فأطعموه) و (استطعامه): سكوته.

.[مسألة:تكبيرات الانتقال ورفع اليدين]

فإذا فرغ من السورة.. ركع، ولا يصل تكبيرة الركوع بآخر السورة؛ لما روى سمرة بن جندب: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسكت سكتة إذا افتتح القراءة، وسكتة إذا فرغ من القراءة، فرآه، فأنكر عليه عمران بن الحصين هذه الرواية، فكتبوا بذلك إلى أبي بن كعب، فقال: صدق سمرة بن جندب».
والركوع واجب بنص الكتاب، والسنة، والإجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: {ارْكَعُوا} [الحج: 77].
وأما السنة: فإنه نقل ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نقلاً متواترًا.
وأجمعت الأمة على وجوبه.
ويستحب أن يكبر للركوع، فيبتدئ التكبير قائمًا، ويرفع يديه، ويأتي بهما في حالة واحدة، فيكون ابتداء رفع يديه - وهو قائم - مع ابتداء التكبيرة، فإذا حاذى كفاه منكبيه.. انحنى - حينئذ - للركوع، ومد تكبيره، حتى يكون انقضاؤه مع ركوعه؛ لأن الرفع هيئة للتكبير، فلهذا قلنا: يأتي به مع التكبير.
وقال عمر بن عبد العزيز، وسعيد بن جبير: لا يكبر المصلي، إلا عند افتتاح الصلاة.
وقال أبو حنيفة: (لا يرفع يديه إلا عند الافتتاح، وإذا كبر للركوع.. فإنه يكبر قائمًا، فإذا فرغ من التكبير.. انحنى للركوع).
دليلنا: ما روى ابن مسعود: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يكبر إذا افتتح الصلاة، وفي كل خفض، ورفع، وقيام، وقعود. وكذلك أبو بكر، وعمر».
وروي عن عكرمة: أنه قال: «صليت خلف شيخ بـ: مكة، فكبر اثنتين وعشرين تكبيرة، فأتيت ابن عباس، فقلت له: إني صليت خلف شيخ أحمق، فكبر اثنتين وعشرين تكبيرة، فقال: ثكلتك أمك، تلك صلاة أبي القاسم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -».
ودليلنا - على أبي حنيفة -: حديث ابن عمر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يرفع يديه عند الافتتاح، وعند الركوع، وعند الرفع منه».
فإن نسي رفع اليدين حتى فرغ من التكبير، ثم ذكر.. لم يرفع يديه؛ لأنه هيئة في محل، فإذا فات.. لم يؤت به. وإن ذكر ذلك قبل الفراغ من التكبير.. فإنه يرفع؛ لأن محله باق.
قال الشافعي: فإن ترك رفع اليدين.. فلا سجود عليه للسهو؛ لأنه هيئة.

.[فرع: كيفية الركوع]

وأقل ما يجزئ في الركوع: أن ينحني إلى حد لو أراد أن يقبض بيديه على ركبتيه.. أمكنه ذلك. ويطمئن، وهو أن يلبث - بعد أن يبلغ حد الإجزاء - لبثا ما.
وقال أبو حنيفة: (لا تجب الطمأنينة)؟
دليلنا: ما روي في خبر الأعرابي المسيء صلاته: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: «ثم اركع، حتى تطمئن إلى أن قال في آخر الخبر: فإذا فعلت ذلك.. فقد تمت صلاتك».
فإذا رفع رأسه من الركوع، وشك: هل بلغ ركوعه إلى حد الإجزاء.. لم يجزئه ذلك، وعليه أن يرجع إلى حد الإجزاء؛ لأن الأصل بقاء الفرض في ذمته.
وأما الكمال في الركوع: فهو أن يقبض على ركبتيه بيديه، ويفرق بين أصابعه، ويجافي مرفقيه عن جنبيه، ويمد ظهره وعنقه، ولا يقنع رأسه، ولا يخفضه، ولا يطبق يديه بين ركبتيه.
وقال ابن مسعود: (يطبق يديه، ويجعلهما بين ركبتيه). وروي ذلك عن صاحبيه: الأسود بن يزيد، وعبد الرحمن بن الأسود.
دليلنا: ما روي: (أن أبا حميد الساعدي وصف صلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمحضر جماعة من الصحابة) - فذكر نحو ما قلناه - فقالوا: (صدقت).
وروي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن يذبح الرجل في الصلاة كما يذبح الحمار».
و (التذبيح): هو أن يخفض رأسه في الركوع، كما يخفض الحمار رأسه، وقد روي بالدال والذال.
وروي «عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص: أنه قال: صليت إلى جنب أبي، فطبقت يدي، وجعلتهما بين ركبتي، فضرب أبي في يدي، فلما انصرف، قال: يا بني: إنا كنا نفعل هذا، فنهينا عنه، وأمرنا أن نضرب بالأكف على الركب» وهذا يدل على النسخ.
وإن كان المصلي امرأة.. لم تجاف، بل تضم المرفقين إلى الجنبين؛ لأن ذلك أستر لها.
وإن كان خنثى مشكلاً.. قال القاضي: لم نأمره بالضم، كما نأمر المرأة، ولا نأمره بالتجافي، بل أيهما فعل.. فهو مجزئ؛ لأنه ليس أمرنا له بأحدهما، بأولى من الآخر.
قال: وكذلك لا يجهر الخنثى بالقراءة في الصلاة الجهرية، بل من سنته الإسرار؛ خوف الافتتان بصوته، إن كان امرأة.
ويستحب أن يقول في ركوعه: " سبحان ربي العظيم "، ثلاث مرات، وذلك أدنى الكمال؛ لما روى ابن مسعود: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا ركع أحدكم، فقال في ركوعه: سبحان ربي العظيم، ثلاث مرات.. فقد تم ركوعه، وذلك أدناه. وإذا سجد فقال في سجوده: سبحان ربي الأعلى، ثلاث مرات.. فقد تم سجوده، وذلك أدناه».
وقيل لأحمد بن حنبل - رَحِمَهُ اللَّهُ -:هل يقول: سبحان ربي العظيم وبحمده؟ فقال: أما أنا: فلا أقول: وبحمده.
قال ابن الصباغ، والشيخ أبو نصر: الأولى أن يقوله؛ وقد رواه حذيفة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولأن فيه زيادة حمد.
قال الشيخ أبو حامد: وقد غلط بعض أصحابنا، وقال: أكمل الكمال أن يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، خمسًا، أو سبعًا، وهو قول الحسن البصري، واختاره صاحب "الفروع"، وليس بشيء، بل أكمل الكمال أن يقول في ركوعه - مع التسبيح ثلاث مرات - ما روى علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول في ركوعه: اللهم لك ركعت، ولك أسلمت، وبك آمنت، وأنت ربي، خشع سمعي وبصري، وعظامي، وشعري، وبشري، وما استقلت به قدمي لله رب العالمين».
وروت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول في ركوعه: سبوح قدوس، رب الملائكة والروح».
قال الشافعي: (وأستحب ذلك كله؛ لأنه يخف، ولا يثقل).
ولا يجب التسبيح في الركوع والسجود، وهو قول كافة أهل العلم.
وقال بعض أهل الظاهر: (هو واجب فيهما). وحكي ذلك، عن أحمد بن حنبل رحمة الله عليه، وليس بصحيح عنه.
ودليلنا: قَوْله تَعَالَى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77]. ولم يذكر التسبيح، وكذلك المسيء صلاته، لم يأمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالتسبيح فيهما.